سورة إبراهيم - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (إبراهيم)


        


قوله تعالى: {واستفتحوا} يعني: استنصروا. وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وحميد، وابن مُحَيصن: {واستفتِحوا} بكسر التاء على الأمر. وفي المشار إِليهم قولان:
أحدهما: أنهم الرسل، قاله ابن عباس، ومجاهد، وقتادة.
والثاني: أنهم الكفار، واستفتاحهم: سؤالهم العذاب، كقولهم: {ربَّنا عجِّل لنا قِطَّنا} [ص: 16] وقولهم: {إِن كان هذا هو الحقَّ من عندك...} الآية [الأنفال: 32]، هذا قول ابن زيد.
قوله تعالى: {وخاب كل جبَّار عنيد} قال ابن السائب: خسر عند الدعاء، وقال مقاتل: خسر عند نزول العذاب، وقال أبو سليمان الدمشقي: يئس من الإِجابة. وقد شرحنا معنى الجبَّار والعنيد في [هود: 59].
قوله تعالى: {من ورائه جهنم} فيه قولان:
أحدهما: أنه بمعنى القُدَّام، قال ابن عباس، يريد: أمامه جهنم. وقال أبو عبيدة: {من ورائه} أي: قُدّامه وأمامه، يقال: الموت من ورائك، وأنشد:
أَتَرْجُو بَنُو مَرْوَان سَمْعي وَطَاعَتِي *** وَقَوْمي تَمِيمٌ وَالْفَلاَةُ وَرَائِيَا
والثاني: أنها بمعنى: {بَعْد}، قال ابن الأنباري: {من ورائه} أي: من بعد يأسه، فدلَّ {خاب} على اليأس، فكنى عنه، وحملت {وراء} على معنى: بَعْد كما قال النابغة:
حَلَفْتُ فَلَمْ أَتْرُكْ لِنَفْسِكَ رِيبَةً *** وَلَيْسَ وَرَاءَ اللهِ للمرءِ مَذْهَبُ
أراد: ليس بَعْد الله مَذهب. قال الزجاج: والوراء يكون بمعنى الخَلْف والقُدَّام، لأن ما بين يديك وما قُدَّامك إِذا توارى عنك فقد صار وراءك، قال الشاعر:
أَلَيْسَ وَرَائَي إِن تَرَاخَتْ مَنِيتَّي *** لُزُومُ العَصَا تُحنَى عليها الأَصَابِع
قال: وليس الوراء من الأضداد كما يقول بعض أهل اللغة. وسئل ثعلب: لم قيل: الوراء للأمام؟ فقال: الوراء: اسم لما توارى عن عينك، سواء أكان أمامك أو خلفك. وقال الفراء: إِنما يجوز هذا في المواقيت من الأيام والليالي والدهر، تقول: وراءك برد شديد، وبين يديك برد شديد. ولا يجوز أن تقول للرجل وهو بين يديك: هو وراءك، ولا للرجُل: وراءك: هو بين يديك.
قوله تعالى: {ويُسقى من ماءٍ صديد} قال عكرمة، ومجاهد، واللغويون: الصديد: القيح والدَّم، قاله قتادة، وهو ما يخرج من بين جلد الكافر ولحمه.
وقال القرظي: هو غُسالة أهل النار، وذلك مايسيل من فروج الزناة. وقال ابن قتيبة: المعنى: يُسقى الصديدَ مكانَ الماء، قال: ويجوز أن يكون على التشبيه، أي: ما يُسقَى ماءٌ كأنه صديد.
قوله تعالى: {يتجرَّعه} والتجرع: تناول المشروب جُرعة جُرعة، لا في مرة واحدة، وذلك لشدة كراهته له، وإنما يُكرهه على شربه.
قوله تعالى: {ولا يكاد يُسيغه} قال الزجاج: لا يقدر على ابتلاعه، تقول: ساغ لي الشيء، وأسغته. وروى أبو أُمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يُقرَّب إِليه فيكرهه، فإذا أُدني منه شوى وجهه ووقعت فروة رأسه، فإذا شربه قطَّع أمعاءه حتى يخرج من دبره».
قوله تعالى: {ويأتيه الموت} أي: همُّ الموت وكربه وألمه {من كل مكان} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: من كل شعرة في جسده، رواه عطاء عن ابن عباس. وقال سفيان الثوري: من كل عِرْق. وقال ابن جريج: تتعلق نفسه عند حنجرته، فلا تخرج من فيه فتموت، ولا ترجع إِلى مكانها فتجد راحة.
والثاني: من كل جهة، من فوقه وتحته، وعن يمينه وشماله، وخلفه وقُدَّامه، قاله ابن عباس أيضاً.
والثالث: أنها البلايا التي تصيب الكافر في النار، سماها موتاً، قاله الأخفش.
قوله تعالى: {وما هو بميِّت} أي: موتاً تنقطع معه الحياة. {ومن ورائه} أي: من بعد هذا العذاب. قال ابن السائب: من بعد الصديد {عذاب غليظ}. وقال إِبراهيم التيمي: بعد الخلود في النار. والغليظ: الشديد.


قوله تعالى: {مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد} قال الفراء: أضاف المَثَل إِليهم، وإِنما المثل للأعمال، فالمعنى: مَثَل أعمال الذين كفروا. ومِثلُه: {ويوم القيامة ترى الذين كَذَبوا على الله وجوهُهم مسودَّة} [الزمر 60]، أي: ترى وجوههم. وجعل العُصُوف تابعاً لليوم في إِعرابه، وإِنما العُصُوف للريح، وذلك جائز على جهتين:
إِحداهما: أن العصوف، وإِن كان للريح، فإن اليوم يوصف به، لأن الريح فيه تكون، فجاز أن تقول: يوم عاصف كما تقول: يوم بارد، ويوم حار.
والوجه الآخر: أن تريد: في يومٍ عاصفِ الريح، فتحذف الريح، لأنها قد ذُكرت في أول الكلام، كما قال الشاعر:
ويُضْحِكُ عِرفانُ الدُّرُوْعِ جُلودَنا *** إِذا كانَ يَوْمٌ مُظْلِمُ الشَّمْسِ كَاسِفُ
يريد: كاسف الشمس. وروي عن سيبويه أنه قال: في هذه الآية إِضمار، والمعنى: وممّا نقصُّ عليك مَثَل الذين كفروا، ثم ابتدأ فقال: {أعمالهم كرماد}. وقرأ النخعي، وابن يعمر، والجُحدري: {في يومِ عاصفٍ} بغير تنوين اليوم.
قال المفسرون: ومعنى الآية: أن كل ما يتقرَّب به المشركون يَحْبَط ولا ينتفعون به، كالرماد الذي سَفَتْه الريح فلا يُقدَر على شيء منه، فهم لا يقدرون مما كسبوا في الدنيا على شيء في الآخرة، أي: لايجدون ثوابه، {ذلك هو الضلال البعيد} من النجاة.


قوله تعالى: {ألم تر} فيه قولان:
أحدهما: أن معناه: ألم تُخْبَر، قاله ابن السائب.
والثاني: ألم تعلم، قاله مقاتل، وأبو عبيدة.
قوله تعالى: {خلق السموات والأرض بالحق} قال المفسرون: أي: لم يخلقهن عبثاً، وإِنما خلقهن لأمر عظيم. {إِن يشأ يُذهبْكم} قال ابن عباس: يريد: يميتكم يا معشر الكفار ويخلق قوماً غيركم خيراً منكم وأطوع، وهذا خطاب لأهل مكة.
قوله تعالى: {وما ذلك على الله بعزيز} أي: بممتنع متعذِّر.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8